
مفهوم الحب.
يعتبر ” الحب” في بُعده الإنساني والكوني حاجة إنسانية أساسية تعادل معنى الحياة. تختلف جوانب وأنواع الحب بإختلاف المراحل المختلفة التي يمر بها الشخص خلال حياته، إضافة إلى الظروف المتنوعة التي يعيش فيها أيامه الأولى. وعلى سبيل المثال؛ يبدأ الشخص حياتة بحبه لوالديه و يتصل بهم نفسيا، عاطفيا، اجتماعيا…. ثم ينشأ حب الأخوة مرورا للأصدقاء ثم يأتي الحب والانجذاب للجنس الآخر.
ومن الجدير بالملاحظة أن الشخص مهما كانت ظروفه و خصائصه، فإنه يتوق إلى شخص آخر يحبه و يبادله الحب، وهذا الشخص عادة ما نسميه بالنصف الثاني أو ذاتنا الأخرى التي يزدان وجودنا بحضورها فيه، كقيمة مضافة تشاركنا الحياة بمختلف مجالاتها وضروبها….وفي هذا الباب نشرنا موضوعا ذو صلة بهذا النوع من الحب في مقال بعنوان “ الحب بين الوقوع فيه والوقوف به” (الرابط من هنا 👉)
ويمكننا القول أن الإنسان في محاولة مستمرة لزرع وتغذية مشاعر الحب في ذاته ولذاته، تقبلها ونشر هذه المشاعر في حياته، وكذا جذب الآخرين له ونيل محبتهم ووِدِّهِم وقبولهم….
✨ الحب برؤية فلسفية :
فلسفيا؛ يمكن أن نقول أن الحب هو كلمة لا علاقة لها بشئ حقيقي أو متصور ، كما يمكننا القول أنه شئ لا يمكن إدراكه عن طريق العقل أو تفسيره بالمنطق. وهذا الحب هو ما يجعل الشخص يظهر بشخصيته الحقيقية ” هو كما هو”.
وحين نعود إلى الأزمنة الغابرة خاصة مع الحضارة اليونانية نلاحظ أن “فلسفة الحب” انطلقت بقوة شرارتها مع الإغريق ، إذ إعتقدوا أن “الحب” هو أحد الأعمدة الرئيسية للفلسفة.
بعد ذلك ظهرت تصورات و نظريات متعددة طورت معنى “الحب ” من مفهومه المادي إلى مفهومه الروحي في أعلى مقاماته ومستوياته.
ومع المزيد من الدراسات والأبحاث اتضح أن شعور الحب هو خاصية أساسية تظهر آثاره على سلوك كل الكائنات الحية بمختلف أنواعها ، وقد عبر أفلاطون عن هذا الحال بالقول:
“إن الشخص الذي يبحث عن الحب كنصف يبحث عن النصف الآخر”.
✨ أهمية الحب :
الحب هو أحد شروط السعادة. و ببساطة من الصعب لدرجة الاستحالة أن نتخيل شخصا سعيدا وليس باستطاعته أن يحب؛ لا يحب نفسه، لايحب غيره أو أي كائن آخر، لا يحب الشهرة أو السلطة، ولا الوطن ولا الحقيقة أو الثروة أو أي شيء آخر… الخ.
يعتبر الحب أحد مظاهر الوجود البشري ومرتكزاته الجوهرية، وإذا لم يكن حاضرا في عالم الشخص، الذي يفتقر للقدرة على الحب والتعبير عنه بشكل أو بآخر، فإنه يفقد دافعه العميق لبناء حياة سعيدة، نشيطة ومتزنة، يُحرم من الشعور بالسعادة و الاكتفاء العاطفي…. إلخ.
وبالنسبة للكثيرين ” الحب”- أن تشعر بأنك تحب وأنك محبوب أيضا- هو مفتاح السعادة و البهجة والإقبال على الحياة بروح متقدة….يجعل الحياة ذات مغزى، يساهم في تشافي الجسد من العديد من الأمراض النفسية/ الذهنية والعضوية.
وعلى ذكر السعادة نستحضر نظرية عالم النفس “مارتن سيليغمان” حول السعادة والعناصر الخمسة الأساسية للتوجه نحوها، حددها في PERMA: التي تشير إلى :
✅ P : الإنجاز ؛ العمل على تحقيق الأهداف والسعي للنجاح والفوز…
✅ E: العلاقات؛ ميل الإنسان إلى بناء علاقات إنسانية هو ميل فطري بيولوجي تطوري. وتعتبر العلاقات الإيجابية عنصرا مهما في تحقيق مشاعر السعادة والرفاهية والدعم في حياة المرء.
✅R: العلم ✅ M: المعنى؛ العيش برسالة إنسانية وفي حياة ذات معنى يجعل المرء يختبر المشاعر الإيجابية وتعزيز قيم المشاركة والانخراط العميق، الممتع والسلس في الحياة…
يحمل الحب العديد من المعاني التي تدل على الألفة و المودة و المحبة بين الآخرين، والتي تجعلهم يشعرون بالإنجذاب و الإعجاب نحو شخص معين أو شيء ما. فهذا هو الحب الذي يعد منبع السعادة، وسر القلوب، وسببا لبهجة العديد من الأشخاص الذين يجعلون الحب أرقى مشاعرهم الإنسانية.
* ومن الأمور التي تشير إلى ولوج الإنسان مرحلة” الحب” هاته هي:
✨أن يشعر بدخول شئ جميل في مختلف تفاصيل حياته، وكذا في الأمور البسيطة و العابرة فيها.
✨يحب أن يتواجد في كل الأماكن التي يتواجد فيها الحبيب.
✨يتأثر بحبيبه بشكل عفوي ويعمل على التغيير من بعض أفعاله…..ومن ذاته نحو الأفضل بشكل تلقائي سعيا لرؤية ابتهاج وسعادة الحبيب.
* درس الإغريقيون ” الحُبُّ” وكل مايتعلق به واعتبره بعض الفلاسفة: ميْلٌ إِلى الأشخاص أو الأشُياء العزيزة، أو الجذَّابة، أَو النافعة.
كما صنفه الإغريق إلى أربعة أنواع أساسية، وهي:
✨ الحب غير المشروط: أو ما نسميه بالإغريقية ب (agape) وهو الحب الذي يؤثر فيه الشخص من الأنانية في سبيل إسعاد الغير و إعتقدوا قديما بأن هذا النوع من الحب نادر لأن القليل من الناس يشعرون به لفترة طويلة من الزمن.
✨الحب الرومانسي: هو نوع من الحب الذي نسميه بالإغريقية بالحب الرومانسي (Romantic love) وهو الحب المرتبط بالمشاعر و الشغف الجسدي الذي يمكن أن يفقد الشخص السيطرة على نفسه .
✨الحب العاطفي: حب العاطفة او الحب العاطفي الذي نسميه باللغة اليونانية (Philai) هو يشعر به إتجاه غيره من الناس مثل الأصدقاء، وقد يبين أفلاطون بأن الإنجذاب الجسدي اتجاه شخص ما لا يعني الحب بالضرورة. ويطلق على هذا النوع عن الحب الافلاطوني.
✨حب العائلة: هو الحب الذي نسميه ب (Storge) المختص بالحب العائلي الذي يوجد بين الأهل و الأبناء و الذي يبرز أكثر عند الاطفال الصغار ،إذن هذا الحب يشير إلى الشعور الذي ينشأ عن الألفة و المحبة ومع مرور الوقت يتحول الحب.
وبالعودة لثراتنا العربي يكاد يكون هو الأغنى في العالم بما يوحيه من مرادفات لكلمة الحب وتصنيف مقاماته، أشكاله وأنواعه على قدر درجات قوته وتأثيراته على فكر ووجدان وسلوك العاشق، بدءا بالحب ثم الشغف، الوجد ، الهوى، الصبوة، النجوى، الشوق، الوصب(ألم الحب ومرضه)، الغرام، الهيام، الود، الخُلَّة ( والليل رفيق الروح والجسد والدرب).
✨ تأتي كلمة (الحُبُّ) في اللغة العربية من المصدر (ح ب ب) ، والحُب: ضِدُّ البغض والنفور. وحَببْتُه: بمَعْنى أحْبَبْتُه. وهو مَحْبُوْبٌ.
✨الحُبُّ : الوِدَادُ
✨حب الشيء أو الشخص ودَّهُ ومال وانجذب إليه.
✨ الحبُّ :وعاءُ الماء كالزِّير والجرَّة (معجم المعاني الجامع)
✨ تأثيرات الحب على الجسد….ماذا يحصل في الجسم حين ينتاب المرء شعور الحب، سواء اتجاه ذاته أو شخص آخر أو شيء ما وكائن معين…. ؟
✨ عزيزي القارئ، هل سبق لك أن نظرت إلى من تحب و شعرت بأن قلبك يرتعش ويداك تتعرقان أو أن مزاجك قد تحسن فجأة ؟ ماذا يحصل في الجسم حين ينتاب المرء شعور الحب، سواء اتجاه ذاته أو شخص آخر أو شيء ما وكائن معين…. ؟
في الحقيقة، يحصل هذا لأن الشعور بالحب يغير ما يجري في جسمك نحو الأفضل ويؤثر على جهازك العصبي وإفرازاتك الهرمونية وبالتالي يساهم في تحسين جودة حياتك ومشاعرك….. الخ.
عند الإحساس بالحب، تقوم الخلايا و النواقل العصبية الكيميائية بإفراز ونقل مادتي الدوبامين والأوكسيتوسين المسؤولين عن تعزيز مشاعر الحب والبهجة… وإشباع مناطق المكافأة و المتعة في الدماغ، مما يؤدي لإستجابة جسدية ونفسية تتجلى بإنقاص الشعور بالألم والضيق، الإدمان، وأحيانا زيادة الرغبة بالعلاقة الجنسية مع الشريك والانجذاب أكثر إليه.
كما يمكن للعناق، أو التواجد مع من نحب أو تقبيلهم أن يؤدي فورا إلى تخفيف التوتر وارتفاع مشاعر الهدوء و الثقة و الأمان وذلك بفضل هرمون الأوكسيتوسين و السيروتونين . كما يساهم ذلك في تحسين مزاجك وشعورك بالسعادة نتيجة لإشباع مركز المكافأة عن طريق الزيادة في إفراز هرمون الدوبامين.

وإجمالا، يمكن القول أن الحب ليس للحبيب من الجنس الآخر فقط، بل يشمل كل شخص وكل ماهو موجود في الكون…. يزداد غموض هذا المفهوم حين نلج عالم العلاقات الإنسانية وما يتخللها من تناقضات، مفارقات، إيجابيات….تستدعي من الإنسان أولا، أن يعرف ما الحب بالنسبة له سواء على المستوى الذاتي أو العلائقي الاجتماعي؟! ماهي تعريفاته مظاهره واللغة التي ترضيه وتناسبه وتحقق له المزيد من الاكتفاء العاطفي؟!
” من لا يعرف شيئا لا يحب أحدا…
ومن لا يستطيع أن يفعل شيئا لا يفهم أحدا….
ولكن من يفهم فإنه أيضا يحب ويلاحظ ويرى….
وكلما زادت المعرفة بشيء عظم الحب ” على حد تعبير ” الطبيب والكيميائي باراسيلسوس” .
مقصود القول، يظل يشير هذا المفهوم –الحب– لتلك العاطفة الصادقة، الطيبة والودودة التي تربط بين قلبين و روحين و جسدين…. و إن تعددت معانيه ولغاته ومظاهره، فإنه يزيد معدل السعادة ويخلص الجسم من السموم والخيبات… المتراكمة فيه. كما يعتبر أقوى علاج للاكتئاب ومساعد فعال في تحسين المزاج بفضل إفراز الجسم لمركبات كيميائية حيوية تعمل على تحسين الحياة للأفضل وبشكل لطيف و جذري.

6 تعليقات