قضايا فكرية و فلسفيةالظواهر الاجتماعية
أخر الأخبار

مفهوم الوعي الإنساني .

مفهوم الوعي من منظور مختلف العلوم.

مفهوم الوعي الإنساني .

كيف نرتقي به؟

ربما تردد على مسامعك في يوم ما عباراتٍ من قبيل: “تشكل الوعي المجتمعي” أو “نشر الوعي” وما شابه ذلك. فهل جال في خاطرك أن تتعرف عن كثب على مفهوم الوعي من زاوية علمية؟

قد يبدو هذا السؤال بسيطًا في ظاهره، ولكن مع التعمق في إجابته نجد أن مفهوم “الوعي” من أكثر المفاهيم وضوحًا وغموضًا في نفس الوقت.

إذا كنت مهتمًا بهذا المجال، فيمكنك متابعة السطور التالية لنكشف النقاب عن لفظ ” الوعي” من منظور مختلف العلوم، أهم أشكاله ومستوياته، وكيف لنا أن نرتقي به.

مفهوم الوعي من الناحية اللغوية:

مفهوم الوعي من الناحية اللغوية هو حفظ قلب الشيء، يُقال: وعى الشيء، والحديث يعيه وعيًا وأوعاه: حفظه وفهمه وقبِله، فهو واعٍ، وفلان أوعى من فلان أي أحفظ وأفهم.

مفهوم الوعي من منظور علم النفس والفلسفة:

بصفةٍ عامة، يعد مفهوم الوعي واحدًا من المفاهيم الجدلية حتى الآن، ومع ذلك يمكننا أن نتعرف في رحلةٍ قصيرة على بعض آراء العلماء حول هذا المفهوم من منظور العلوم المختلفة:

يتفق العلماء والفلاسفة على أن الوعي هو خاصيةٌ من خصائص العقل باعتبار هذا الأخير فاعلية إنسانية بامتياز. وبالتالي يرتبط بوجود الإنسان العاقل المفكر، فهو الكائن الوحيد الذي يمتلك وعيًا يساعده على إدراك ذاته وما يحيط به.

و يعرف “ليبنز” مفهوم الوعي من الناحية الفلسفية بأنه درجةٌ ساميةٌ من الإدراك والتصور تكون الذات فيه واعيةٌ بما تدركه. وبمعنى آخر هو إدراكٌ واضح يصاحبه شعورٌ بالذات والالتفات إليها.

أما الفيلسوف الألماني “نيتشه” فيرى أن الإنسان يستطيع أن يعيش بمعزل عن الوعي لأنه هو الذي يشكل الوعي بهدف حماية نفسه من الصراع الذي يغلف الحياة، وأنه يشكل وعيه بتشكيله للُّغة، وبالتالي فإن نمو اللغة والوعي متلازمان. 

ويعرف العلماء ” الوعي” سيكولوجيًا؛ بأنه معرفة الإنسان لعواطفه ومشاعره وميولاته المختلفة وإدراكه الواضح لدوافعه التي تحرك سلوكه وتوجهه.

أما بالنسبة للطبيب والمحلل النفساني “فرويد” فلا يمكن تعريف الوعي بشكلٍ منفرد، لأن ذلك لا يكفي لفهم الواقع وشكل التفاعل معه، وذلك لوجود تأثير المشاعر والعواطف وهي مستقلة تمامًا عن الوعي ومع ذلك تساهم بشكلٍ كبير في تشكيلهو توجيهه. يزداد هذا الوضع تعقيدا حين نغوص في الجهاز النفسي الإنساني و حالات الأحلام أو الاضطرابات النفسية ( مثل الهستيريا…) التي تكشف انفلات السلوك الإنساني من سيطرة الوعي لصالح اللاوعي، الذي يشكل أكبر وأوسع منطقة في الجهاز النفسي الإنساني…

ويرى عدد من علماء النفس أن ” الوعي” هو الحالة العقلية التي يتميز بها الإنسان بملكات المحاكمة المنطقية التي تتكون من الإحساس بالذات، والإدراك الذاتي، والحالة الشعورية، والعقلانية والقدرة على الإدراك الحسي للعلاقة بين الكيان الشخصي والمحيط الطبيعي له.

مفهوم الوعي من منظور علم الأعصاب:

وهو ما يصفه “تشيرشلاند” ببعض من السمات يتمثل أهمها فيما يلي:

  1. لديه ذاكرة قصيرة المدى.
  2. لا يعتمد على الحواس.
  3. يمكن توجيه الانتباه حسب الأهمية.
  4. يمكن تفسير البيانات والمعلومات التي تصلك بأكثر من طريقة في حال كانت غامضة.
  5. يتوقف عند النوم.
  6. يتواجد في الأحلام.
  7. يستخدم معلوماتٍ حواسيةٍ مختلفة لتكوين واقعٍ متكامل وتجربة موحدة غير متنافرة.

كما يبين عالم بيولوجيا الأعصاب ” شونجو” أن الوعي عبارة عن نشاط عقلي عصبي، لا يستقيم تكونه وعمله الا بحضور النشاط العصبي ودينامية الخلايا العصبية التي تتمثل الموضوعات المادية الخارجية.

وبصفةٍ عامة، تشير “سوزان بلاكمور” إلى أن:

مفهوم الوعي هو وهم كبير ينشأ عبر طرح أسئلة مثل: «هل أنا واعٍ الآن؟» أو «ما الذي أنا واعٍ به الآن؟» في لحظةِ السؤال تلك يتمُّ اختلاقُ إجابة؛ يكون هناك تيارٌ آنيٌّ من التجارب، وذاتٌ تلاحظ هذا التيار، وتجاربه تظهر كلها معًا، وتكون هناك لحظةٌ لاحقةٌ يختفي فيها كل هذا. في المرة التالية التي تسأل فيها مثل هذه الأسئلة، تكون هناك ذاتٌ جديدة وعالَم جديد يتم اختلاقه، على نحوٍ رجعيٍّ من الذاكرة. وإذا استمريت في الاعتقاد أن تكون واعيًا دائمًا، وأخذتَ في ابتكار الصور المجازية الخاصة بالتيارات والمسارح، فأنت تزيد أكثر فأكثر من حيرتك.

ما هي أشكال الوعي ومستوياته؟

تتعدد أشكال الوعي بناءً على مجالات المعرفة وموضع النقاش، وبالتالي يمكننا تحديد هذه الأشكال على النحو التالي:

  1. الوعي الأخلاقي.
  2. الوعي السياسي.
  3. الوعي البيئي.
  4. الوعي الاقتصادي.
  5. الوعي الثقافي.
  6. الوعي المعرفي.

ويتحول الوعي الفردي على اختلاف أنواعه إلى سلوك اجتماعي عبر انتشار التجارب والخبرات الفردية ومشاركتها في المجتمع.

كيف نرتقي بالوعي؟

والآن، كيف نصبح أكثر وعيًا؟ نحن في حاجة مستمرة إلى الإرتقاء بوعينا ،وهي مهارةٌ تعد من أصعب المهارات الإنسانية اكتسابًا، ومع ذلك يمكننا تطويرها بالتدريب والممارسة واتباع الخطوات التالية:

  1. قيم نفسك في مختلف لحظات حياتك عبر طرح سؤال: ماذا يمكنني أن أفعل؟ بدلًا من قولك لماذا يحدث لي هذا؟ وهذا يساعدك في إصلاح الكثير من المواقف والأمور.
  2. تساعدك أيضًا زيارة الأماكن والبيئات المختلفة واكتشاف مناطق جديدة سواء على المستوى المحلي أو العالمي على تطوير الوعي لديك.
  3. تعلم مهارات جديدة فهي وسيلة لإعمال فكرك بطرق مختلفة.
  4. خصص وقتًا كل فترة لتحديد أهدافك وقيمك وطموحاتك.
  5. مارس القراءة واجعلها أسلوب حياة ” كلما قرأت اكثر كلما تعلمت واكتشفت أكثر… تحدثنا عن الموضوع في مقال سابق /رابط المقال👈هنا)

في النهاية، يتضح لنا أن الوعي هو ملكة ومهارة يمكن للإنسان أن يكتسبها ويعمل على تطويرها، كما يتضح أهمية العمل على ذلك بالنسبة لك في فهم ذاتك والآخرين و العالم من حولك، ومن ثمَّ القدرة على التعامل معه للوصول إلى أهدافك وطموحاتك وتحسين جودة حياتك.

المراجع:

  • لسان العرب لابن منظور- حرف الواو- وعي https://bit.ly/3vExPL0
  • مقال بعنوان: ما هو الوعي على موقع إضاءات بقلم: إلهام الحدابي https://bit.ly/3bYo8PG
  • مقال على موقع إضاءات بعنوان: ضد الفطرة، مع الوعي: فلسفة علم الأعصاب عند تشيرشلاند للكاتبة: رنا عيسى https://bit.ly/3s1F3GB
  • كتاب “الوعي” تأليف: سوزان بلاكمور، ترجمة: مصطفى محمد فؤاد https://bit.ly/3tFdrb1
  • وعي- ويكيبيديا https://bit.ly/3vA8nGF
  • ما هو الوعي بالذات وكيف تطوره؟ موقع فرصة https://bit.ly/2OFu8UZ
اظهر المزيد

Rudayna

فضاء لحرية الفكر والقلم، في قالب إنساني هادف يسعى لنشر الوعي، تقدير الذات واحترام الآخر....

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!