قضايا فكرية و فلسفيةالظواهر الاجتماعية
أخر الأخبار

مفهوم الجمال والجسد الأنثوي

" القلب يعشق كل جميل وياما شفت جمال يا عين". محمود بيرم التونسي 🌿

مفهوم الجمال والجسد الأنثوي

” القلب يعشق كل جميل وياما شفت جمال يا عين” 🌿محمود بيرم التونسي 🌿

يميل الإنسان بطبعه إلى الإنجذاب لكل ماهو جميل يُبهج النفس ويُنعش الوجدان. إن الجمال قيمة إنسانية عالية يهتز لها وجداننا… كيفما كان شكلها ومظهرها. اهتمت بها المجتمعات البشرية على مر الحقب التاريخية، وحرصت على ترسيخها حسب ماهو متعارف عليه اجتماعيا في ثقافة ما ومكان معين.

لقد حظي هذا المفهوم بمقاربات فلسفية كثيرة و كتابات ثرية ومتباينة، خاصة في ارتباطه بالفن والحكم الجمالي.

ازداد اهتمامنا أكثر بهذا المفهوم حين ارتبط بالجسد عموما، و الجسد الأنثوي على وجه الخصوص. بالرغم من ان هذا الأخير – الجسد- هو موضوع للبيولوجبا، إلى أن مقاربته ذهنيا ونفسيا واجتماعيا خاصة في ارتباطه بمفهوم الجمال، أضحى أمرا ملحا بسبب الأهمية التي أصبح يوليها المجتمع لأشكال الأفراد ومظاهرهم الخارجية من جهة. ومن جهة ثانية، نظرا للتناقضات الصارخة في تمثلاتنا للجمال الجسدي الأنثوي. هذه التمثلات التي تساهم بشكل كبير جدا في صياغة طريقة تعاملنا مع أجسادنا ومع جسد الآخر؛ تمثلا وإدراكا وفهما…. مما يؤثر على تصورنا الذهني لصورة الجسد ومستوى الوعي بالذات وتقديرها ومن ثم تقدير الآخر.

الجمال والجسد الانثوي

إن الإشكال المطروح هنا، هو خضوع الجسد الأنثوي للعديد من الأحكام اللاموضوعية المبنية على أسس تخدم فكرا سطحيا، يحدد جمالها في صورة المرأة “الفاتنة”، “المغرية”… بشكلها الجسدي المميز، وتضاريس محددة وخصر مرسوم ولباس معين… وكأننا أمام مصنع لصناعة منتوج – صناعة الجمال- حسب الطلب. وما يعنيه هذا الأمر من اختزال للأنثى في بعد مادي سطحي ذو عمق جنسي غريزي، يرى جسدها كمصدر للإثارة والغواية. فاختُزِلت إنسانيتها وانوثتها في تضاريس جسدها المنحوت بشكل معين، حسب ماهو متداول في ثقافة ما ووفق وعي جمعي معين رسم تلك المعايير وبَرمج العقل على ضرورة توفرها لتتحقق الإثارة والأنوثة والجمال. وبالتالي حصر تقديمها – أي الأنثى – والتعريف بماهيتها وهويتها على مستوى الجسد فقط، وما يمكن أن يقدمه من متعة وخدمة للجسد المذكر.

يتضح هذا كثيرا في مجموعة من اللوحات الاجتماعية و الإقبال الكبير لعدد غير قليل من الفتيات على عمليات التجميل. المشكل هنا ليس في التجميل في حد ذاته، بل في نوعية المطالب التي تطلبها معظم النساء. تماشيا مع الموجة والتقليد لما هو ظاهر في وسائل التواصل الاجتماعي لشخصيات مشهورة تتباهى بشكلها وبمدى تأثيره.

يتداخل في تشكيل الوعي بالجسد لدى الأنثى العديد من العناصر الذاتية، البيولوجية، النفسية والسوسيو-ثقافية؛ بدءا بالتنشئة الاجتماعية والأسرية التي تزرع لديها بذور الوعي الجمالي، حسب ما هو متاح من تمثلات اجتماعية وعادات وتقاليد… مرورا بالنضج الجنسي والفكري لديها واحتكاكها بغيرها وانفتاحها على خبرات ومعارف متنوعة. غير أن هذا الميل لدى البعض إلى التهافت على التجمل وعمليات التجميل قد يعكس في العمق عقد النقص وعدم الرضا على الذات وتقبلها. والسعي الدؤوب بشكل لاواعي نحو انتزاع الاعتراف بالجمال من الطرف الآخر، وتعزيز التقدير الذاتي في ارتباطه بالمشاعر الإيجابية كالشعور بالرضى والقبول والتوازن… الخ.

وهنا لابد أن ننبه لخطورة الإعلام ووسائل الدعاية التي ساهمت بدورها في ترسيخ نموذج بعينه للجمال الأنثوي. ترويج حوَّل الأنثى لبضاعة تسويقية بنزعة اختزالية تشييئية يستخدم فيها الجسد لتسويق المنتجات والخدمات. هذه الماهية الجسدية الأنثوية التي غالبا ما ارتبطت بالضعف والليونة والغواية، واقترنت بدور المتعة الجنسية ومهمة الأمومة، حجبت عنا لحد الساعة في الكثير من المجتمعات العربية، النظر إلى الأنثى ككائن قادر على العطاء الفكري والإبداع مثل الماهية الذكرية. لها قيمة إنسانية مطلقة، أثبتت بجدارة خلال سنوات طويلة قوتها وذكاءها وقدرتها على التميز كقوة فعالة قادرة على التفكير والإبداع والعطاء. وأثبتت أيضا إمكانية الاعتماد عليها حتى في المجالات التي كثيرا ما نُسبت للرجل، مما جعلها تشاركه اعماله وافكاره ومشاريعه، وبالتالي مقاسمته الفضاء الخارجي العام الذي خُص به لوحده ولفترة طويلة. وفي هذا هدم لفكرة الهيمنة المطلقة وإعادة النظر في التقسيم الاجتماعي للهندسة الجنسية، وترسيخ مفاهيم جديدة حول الذات الإنسانية وفاعليتها الاجتماعية بناء على الكفاءة والمردودية…. لاحسب الجنس وشكل الجسد. وهذا يدعونا إلى ضرورة الاستمرار في تفكيك البرمجات القبلية الضاربة بجذورها في الوعي الجمعي واللاوعي الذاتي حول مفاهيم الجمال والجسد والأنوثة…. لم للأمر من أهمية.

✅ ضرورة بناء وعي أنثوي جديد بمفاهيم جديدة، ينظر إلى الأنثى ككيان مستقل، بفكر فعال ومؤثر… الجانب الجسدي فيه مجرد بعد من الأبعاد الأجمل والأعمق المكونة لها كإنسان عظيم وراقي… لا كمجرد جسد سالب،خاضع للهيمنة الاجتماعية المطلقة.

✅ اختزال الجمال الأنثوي في الجسد فقط، سواء من طرف الأنثى في حد ذاتها او من طرف الرجل، تبخيس لعظمة الأنثى وقوتها، وتدمير لتقديرها الحقيقي لذاتها ولدرجة استحقاقها.

✅ اهتمام الأنثى المتصلة بفطرتها، الواعية والحقيقية…بجمالها الجسدي أمر متجذر فيها وكامن في طبيعتها الأنثوية. ويُعَدُّ أولا وقبل كل شيء شكلا من أشكال تعبيرها عن حبها لذاتها وقبولها لشكلها كيفما كان. لكن اختزال وعيها بذاتها وتقديرها لنفسها فيه، و اعتبار إثباتها لذاتها وتحقيقها لنجاحها يمر عبر قناة حُسنها والصورة الإغرائية لمفاتنها الجسدية…. في تجاهل لأبعادها الأخرى هنا مكمن الخلل والإشكال.

✅ النظرة السطحية لجمال المرأة، في العمق تعبير عن نظرة سطحية في التعامل مع الذات والجسد. إن الوعي العميق يؤمن بأن الجمال الحقيقي نسبي يتجاوز الشكل الخارجي ويحتويه ليشمل الأنثى كذات إنسانية.

اظهر المزيد

Rudayna

فضاء لحرية الفكر والقلم، في قالب إنساني هادف يسعى لنشر الوعي، تقدير الذات واحترام الآخر....

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!