قضايا فكرية و فلسفية
أخر الأخبار

الإنسان بين حب الذات وفخ الأنانية

" صُنِعت الحياة الحقيقية للذين يُحبون..."

الإنسان بين حب الذات وفخ الأنانية

” صُنِعت الحياة الحقيقية للذين يُحبون…”

       ✨قد يقال لك أن حب الذات أنانية، والمحب لذاته نرجسي أناني. …

يا صديقي، قل لهم شتان بينهما: إنهما عالمان مختلفان بينهما خيط رفيع.

✔️ الأول / المحب لذاته، أدرك قيمته ككائن متميز في هذا الوجود، مملكة الله في كل ذرة منه. عرف نفسه وأدرك أن في طياتها جوانبا مظلمة وجوانبا من نور، فيها نقط قوة وفيها نقط ضعف… جانب يخطئ وجانب يصيب، وهذا جزء من إنسانيته.

✨وعى بأنه جزء من هذا الكل العظيم، وأن وجوده لا يستقيم ولا يزداد روعة ولا جمالا إلا بحضور الآخرين المحبين لأنفسهم وله… فازدان الوجود به وبهم.

✨قدر نفسه وتقبلها، أحبها، وثق بقدراته وتواضع.

✨أدرك أنه لم يُخلق ليرضي الناس، لأن رضاهم غاية لا تدرك.

بل وُجد ليعيش تجربة حياتية وجودية يتشارك فيها مع الآخرين حلاوة الحياة، متقبلا لهم ومحترما لاختلافهم ولإنسانيتهم. في إطار علاقات إنسانية مرنة يسودها تبادل العطاء بحب وباتزان للحفاظ على رونق الحياة وحلاوة البقاء.

✨كل طرف قيمة مضافة في حياة الآخر.

✨ المحب لذاته متحرر من كل تعلق بالناس وبالأشياء وبالأحداث.  إنه ذات حرة في رحلة حياتية مميزة، يحرص فيها على ألا يسمح لأي شي أن يقيد حريته تلك. واهبا قلبه لمن  يمتلك كل الأشياء ما ظهر منها وما خفي…فاستكان إليه واطمأن وازداد سلاما على سلام.

✨ ” إن الله خلقك حرا فكن كما خلقك” بتعبير الشافعي.

بعبارة أخرى، قد تحرر من التعلق بالأشياء والأحداث والناس إلى التعلق برب الناس. متعاليا عن كل ما يؤذيه،مُحررا روحه الخيِّرة من سطوة القيود الوهمية والبرمجة السلبية.

✨صادق مع نفسه ومع الآخرين، لا يجامل ولا ينافق…  محترم للاختلاف، بعيدا عن فرض السيطرة والتحكم في الآخرين وجعلهم تابعين له ونسخة طبق الأصل عنه.

✨العاشق لذاته علم أن فيه عوالم مختلفة ومتغيرة فاحترم عوالم الآخرين وتغيرهم. آمن بأن عظمة الإنسانية في عدم مثاليتها وأن الخطأ حق، وما خُلق الإنسان ملاكا معصوما من الخطأ، جاعلا من الخطأ درسا يتعلم منه ليزداد تطورا، ومن ألم الماضي دافعا للتقدم.

✨ توقف عن إصدار الأحكام على الآخرين وآمن بحقهم في الخطأ والاختيار.. . موقنا بأن في اختلافنا اكتمالنا، فارتاح وأراح الناس.

✨المحب لذاته مركز على نفسه واستكشاف عوالمها وتهذيب نقائصها وتطوير ها.

لهذا يُعد فهم الذات والوعي بها ورسم قيم محددة مناسبة لها والحرص على تحقيقها وعيشها….. من البوابات الأولى لحب الذات وتثمينها.

وبالتالي لا وقت لديه للتركيز على الآخرين والنبش في عيوبهم وزلاتهم…

✨متزن بين الأخذ والعطاء، مؤمن بمبدأ “كما تدين تدان”.

حب الذات

✔️ على خلاف الإنسان الأناني؛ الذي يعيش اضطرابا في الشخصية ويحيا على وهم حب الذات، يدعي الكمال والخلو من العيوب والضعف. يعتقد بأنه دائما على صواب والآخرين مخطؤون… مقتنع بأهمية المصلحة الشخصية على حساب الغير وفق مبدأ “أنا وبعدي الطوفان”. استحوذت عليه رغبة التملك والسيطرة على الآخرين والتحكم فيهم وفي مجرى كل شي لخدمة مصالحه، متناسيا أن الحياة أخذ وعطاء، وأن الناس وجدوا لتحقيق التكامل.

✨ الأناني سمح لحب التملك(أشياء /أشخاص) من السيطرة عليه فأصبح سجينا للتعلق.

جاعلا من كل  اختلاف خلافا طالما لا يوافق قناعاته ولا يعكس تبعيتك له….. إنه يعيش “جنون العظمة” وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة والمعرفة الشاملة.

✨شخص لا يخطئ ولا يفشل – حسب اعتقاده-.

✨معه – الأناني- لا نستغرب من انتشار التعصب وسرعة الانفعال والدخول في الجدالات العقيمة، ساعيا  لإثبات صحة رأيه، ولا رأي يعلو على رأيه.

هو الخبير العارف بكل شي والمتحدث في كل شيء.

✨ يعيش انغلاقا على الذات مدعيا انفتاحه على الناس واجتماعيته الوهمية، التي تعزز فقط إحساسه بالفخر والتباهي بإنجازاته أمام الآخرين وتغذي لديه مشاعر التعالي والغرور والدخول المتواصل في المنافسة المستنزفة…

✨قاسي اتجاه نفسه واتجاه المحيطين به…

وفي هذا الباب، تحضرني دراسة علمية قامت بها جامعة أكسفورد نشرت نتائجها في مجلة ” clinical psychological science” ، تبين من خلالها أن حب الذات المتزن والتوكيدات الايجابية التي يرددها المتطوعون الخاضعين للدراسة لأنفسهم جيدة ومفيدة لصحتهم الجسدية والنفسية والذهنية…( تزيد من تعاطفهم مع أنفسهم، تخفض معدلات دقات القلب، تساعد على الاسترخاء….).

تقدير الذات وحبها باعتدال يدفع المرء إلى تعلم “فن القبول” ؛ قبول لذاته بكل مافيها أولا والإحسان إليها والسعي لتطويرها في كل جوانبها :روحيا، وجدانيا ( شعور بالمحبة اتجاه ذاته واتجاه الآخرين بدون تعلق مرضى بهم) فكريا، اجتماعيا( علاقات صحية وحسن انتقاء الناس حوله، العطاء باتزان وحب) … مع الرفع من استحقاقه بعيدا عن جنون العظمة و سلطة الإيغو، مما ينعكس إيجابا على مفهوم الراحة النفسية والسعادة اللامشروطة لديه وسيادة مشاعر السلام الداخلي والسكون….

✍️ذة. مريم الشيخي

اظهر المزيد

مريم الشيخي

أستاذة الفلسفة ،باحثة في علم النفس و مهتمة بكل ما له صلة بالإنسان في مختلف أبعاده وجوانبه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!