الوعي الذاتي و الحياة المتزنة السعيدة

الوعي الذاتي و الحياة المتزنة السعيدة
” اعرف نفسك بنفسك “
“اعرف نفسك بنفسك” عبارة قالها “سقراط” – مُستلهما إياها مما كُتب على مدخل معبد “دلف” – في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد، ومازال صداها يتردد إلى اليوم، مما يَنّم عن غموض هذا الكائن وتعدد أبعاده واختلاف عوالمه…وسواء كمشتغلين في حقل علم النفس والفلسفة، أو بالنسبة للمهتمين بمجالات علمية أخرى، يبقى هاجسنا على مر التاريخ هو فهم هذا الكائن المعجزة وسبر أغواره.
وكلما أدركنا جانبا فيه، وجدنا جوانب أخرى متداخلة ومتشابكة ومنفتحة على عوالم خفية وكونية… تجعلنا في تساؤل دائم : من هو الإنسان؟ من أنا؟ لنعود من جديد إلى ما نبهنا إليه “سقراط” ومجموعة من الفلاسفة وعلماء النفس، بدءا من الفلسفة السقراطية إلى ما بعد نيتشه ( الكوجيتو الديكارتي، ثلاثية كانط النقدية، جينيالوجيا نيتشه ، وجودية سارتر، فرويد…) ; من بين مفاتيح معرفة الذات الرجوع إليها. الغوص في عمقها، لفهمها وتطوير القدرة على إتقان ” فن الحياة” ومواجهة أشد أزمات الوجود قسوة وضراوة…بحكمة وبصيرة ومرونة تجعل الإنسان سيدا على نفسه، مدركا لذاته ومتحكما فيها ( أفكاره،رغباته، أذواقه، مشاعره….). يقول الفيلسوف “بوثيوس” في “عزاء الفلسفة” :” من يُرد أن يكون ذا سلطان حقيقي، فليبسط سلطانه أولا على نفسه. “

وإدراك سر الشقاء الذي يلاحق الإنسان في مختلف مراحل حياته، إلى جانب تحسين قدرته على التحمل وتطوير مهاراته الحياتية ( الذكاء العاطفي، الذكاء الاجتماعي، المرونة النفسية، القدرة على التخطيط وحل المشكلات…..)، وأحيانا تحويل ذاك الشقاء إلى محفز للإبداع والابتكار….مما يسهم في تحسين جودة الحياة وخلق الاتزان والانسجام بين مختلف مكونات الذات سواء على المستوى الجسدي أو الذهني والنفسي أو الاجتماعي……. وكما يقول الأستاذ ” سعيد ناشيد” في كتابه “التداوي بالفلسفة” :”…. حياة أعيشها بأقل ما يمكن من الأوهام ،حساة أتصالح فيها مع قدري الخاص، ولا أقارن نفسي بأي قدر لأي إنسان آخر. حياة أكون فيها كما أنا لا كما يريدني الآخرون أن أكون”.
فالإنسان أفضل معلم لنفسه ومطور لذاته ؛ طريقة نفكيره في نفسه وتمثلاته حول الحياة ومواقفها ونكباتها … مصدر سعادته أو شقائه. وكما قال الفيلسوف والسياسي الروماني “بوثيوس” : ” ليس شقاءً إلا ما تعده أنت كذلك” (عزاء الفلسفة).
لهذا من الضروري والمهم، إعادة النظر في المفاهيم التي نتمثل بها الحياة في مختلف مجالاتها ومواضيعها (الحب، السعادة، المال،العلاقات،النجاح….) ،وفحص المعتقدات والبرمجات القبلية التي تزودنا يها بتأثير وصناعة من الوعي الجمعي وما يعتريه مم تناقضات ،إيجابيات وسلبيات….. بطريقة نقدية بناءة تخدم جودة حياتك و تساهم لك في تشييد علاقة سليمة وصحية بذاتك وباالحياة حولك….
خذها مني يا صديقي ، الوعي بذاتك وبهويتك الحقيقية هو رحلة عمر وحياة ليس لها نهاية ما دمت على قيد الحياة. والمعلم الحقيقي هو من يزودك بآليات وتقنيات ومعارف… تساعدك في فتح أبواب عالمك الداخلي وتٌمهد لك الطريق نحو الغوص فيه وتنمية مهاراتك الذهنية بشكل يحررك من سلطة الانفعالات والمشاعر السلبية ( الغضب، الخوف، الغيرة…)، لحياة أكثر توازنا وسعادة وإبداعا….،بعيدا عن العيش في الماضي والبكاء على اطلاله – فالماضي مضى ولى وانتهى-، أو الانغماس المطلق في التفكير في المستقبل وتحدياته و مخاوفه في تجاهل تام للحظة الانية التي نحيا فيها الآن…. ” لا نملك سوى الحاضر، أما الماضي والمستقبل فلا وجود لهما إلا حين نفكر فيهما، إنهما آراء، وليس وقائع” على حد تعبير الفيلسوف الفرمسي ” ألان” في إحدى ( خواطره).
لن أقول لك أن الرحلة سهلة ولكنها غير مستحيلة ولا شقية، بل هي ممتعة إذا عرفت هدفك ووجهتك. ولا بديل لك لحياة حقيقية حرة وسعيدة، حياة تشبهك…ممزوجة بالمرونة والحكمة في التعامل مع مطباتها وتغيراتها متقبلا منطقها القائم على قانون ” الشيء الثابت في الحياة أن لا شيء ثابت فيها”….إ لا السير في هذه الرحلة وقد مزقت خلالها كل تأشيرات العودة لنسختك السابقة. “فالحياة ليست موجودة لكي امتلاكها بل لكي أعبرها” كما أشار إلى ذلك الفيلسوف الألماني “شوبنهاور” في مؤلفه “فن أن نكوم سعداء”.
فالأمر يستحق العناء.
هذه الحياة ستعيشها مرة واحدة، عِشها كما أنت بعفويتك وتميزك، اختلافك ومرحك وحكمتك ، وأحيانا جنونك وطفولتك … بمعزل عن جلد الذات ومشاعر الندم وتأنيب الضمير المفرط والمبالغ فيه…
ولكن عليك أن تعرف أولا من أنت!!!
اصعب شيء صدم فكر الانسان..هو معرفة ذاته بشكل جلي…غموض بلف جوانب كثيرة من شخصيته التي تتطور باستمرار وتزداد تعقدا …اذا يالت اي شخص هل تعرف نفسك جيظا سيجيبك بانه متاكد من نفسه وهو الاعرف بها ..ولكنه في الحقيقة ضحية وهم معرفي سطحي …خذ مثلا التغذية فالانسان يصنف الاكل حسب ما تراه عينه الحدودة البصر والكفاءة مقارنة بالمجهر الالكتروني…هذه طماطم وهذا موز وهذا خبز…ولكن حينما تستقر في معدته وتبدأ اعضاؤه الداخلية في استخراج البروتينات و الذهنيات ….فهي تتعامل معها بمنظور لا علاقة له بشكلها ولونها وجماليتها او قبحها …هكذا اذن هو الانسان ينظر الى الاشياء في بساطتها وليس قدرة الى اليوم ان يكتشف حقيقتها كما ليس له قدرة ان يكتشف حقيقة نفسه…تحياتي لصاحبة المقال الرائع وتقديري
صح👌👌 كلما استطاع الإنسان أن يتخلى عن وهم معرفته المطلقة بذاته، كلما تمكن ا من الوعي بها وبمكامن قوتها وضعفها.. شكرا لمروركم🙏🌷