قضايا فكرية و فلسفية
أخر الأخبار

” فن الحياة ” برؤية فلسفية

" كما نفكر نكون" ذ. سعيد ناشيد.

” فن الحياة ” برؤية فلسفية


✨ من خلال العودة لتاريخ الفلسفة، ولما خطه الفلاسفة خصوصا فلاسفة “فن العيش” بتعبير ذ. “سعيد ناشيد” أمثال: سقراط، أبيقور، سينيكا، روسو، نيتشه، راسل…. نستشف مدى اهتمامهم بمهارات ” فن العيش ” و محاولتهم تعليمنا إتقان فن الحياة؛ حياة تستحق الحياة، حياة بسيطة

“… حياة أعيشها بأقل ما يمكن من الأوهام ، حياة أتصالح فيها مع قدري الخاص، ولا أقارن نفسي بأي قدر لأي إنسان آخر. حياة أكون فيها كما أنا لا كما يريدني الآخرون أن أكون.” على حد قول” ذ. سعيد ناشيد” في كتابه المفيد والعميق بأفكاره ومقترحاته… ” التداوي بالفلسفة”.

✨إتقان فن الحياة وعلاقته بالتفكير النقدي

وفي نفس الكتاب يشير ” ذ. ناشيد” إلى أن تحقيق ذلك و إتقانه يحتاج أولا إتقان فن التفكير النقدي البناء…. لتعلم القدرة على الحياة ومهارة التعامل الذكي مع مختلف أزماتها وضغوطاتها… وزيادة فهمنا لها وتقليص دائرة الشقاء والألم فيها…
ولفهم أعمق للموضوع نحتاج أن ننتبه للمفاهيم و التصورات الذهنية التي نتمثل بها كل ما تنطوي عليه الحياة وتتضمنه.

إن طريقة تفكيرنا ، فهمنا للأمور وتأويلنا لتفاصيلها هو ما يحدد بشكل كبير مشاعرنا وانفعالاتنا وطريقة عيشنا…

بهذا المعنى، الأشياء في حد ذاتها ليست سارة ولا مؤذية إلا اذا اعتبرناها نحن كذلك.

وبالتالي كلما فكرنا بطريقة سيئة وسلبية، كلما عشنا – غالبا- بشكل سيء ومُدمر.

” كما نفكر نكون” على حد قول ذ. سعيد ناشيد.

✨ أسباب شقاء الإنسان :


وفي هذا الباب، نلاحظ أن من بين أهم الأسباب وراء شقاء الإنسان في هذه الحياة:
١. رغبته المستمرة في التحكم المطلق في الخارج ( الظروف، الواقع…) والسيطرة على مجرى الحياة وفق توقعاته الخاصة.
٢. الغضب على الآخرين الناتج في الغالب عن الرغبة في أن يكونوا حسب توقعاته الخاصة وكما يريد هو.
٣. السعي المستمر لنيل رضى الآخرين والتصرف وفق توقعاتهم.
٤. العيش في الماضي والبكاء على أطلاله، متناسيا عيش اللحظة والتركيز على الحاضر…. نفس الأمر ينطبق أيضا على التفكير المستمر في المستقبل وحمل همه…
٦. مقارنة قدرك الخاص بأقدار الآخرين والتحصر عليه.
٧. البحث عن السعادة خارج الذات… ويعد هذا الأمر مصدر إحباط وشقاء وخيبة أمل….
✨ من الجدير بالذكر هنا ، أن الإنسان يعيش في إطار عالمين رئيسيين؛ عالم خارجي ( الظروف، الوقائع…) له سيطرة نسبية عليه، يساهم في إصلاحه وصناعته و تعديله…

وعالم داخلي؛ وهو الجانب الوحيد الذي يمتلك الإنسان فيه كل الحق والقدرة على التحكم فيه والسيطرة عليه وتغييره… ” الحكيم من يحكم نفسه” سعيد ناشيد.
✨” لهذا من يرد أن يكون ذا سلطان حقيقي، فليبسط سلطانه أولا على نفسه” كما يقول الفيلسوف بوثيوس.

ومن ثم فتحسين جودة الحياة يبدأ أولا من خلال تفكيك المعتقدات والبرمجات الذهنية حولها ، غربلتها وهدم غير المفيد منها وبناء مفاهيم جديدة وأفكار سليمة… تساهم في تحسين إيقاعها وطريقة عيشها.

✨مقترحات لتعلم ” مهارة فن الحياة”

في هذا السياق، نستأنس ببعض المقترحات المستوحاة من ثنايا مؤلف ” التداوي بالفلسفة” ، مع ذكر بعض الخطوات والأفكار التي تساعد المرء في تعلم “مهارة فن الحياة” ؛ حياة كما يريدها هو لا كما يريدها الآخر.

حياة بأقل ما يمكن من الألم والأوهام… لهذا علينا أولا أن نعرف بحق وبكل وضوح ماذا نريد.

ولكي نعرف ذلك لابد من الرجوع للذات وتحقيق وعي حقيقي وشفاف بها ؛ فبناؤها ينطلق منها نفسها… وهذا ما أكد عليه “سقراط” من خلال رحلته التنويرية مع شباب أثينا والتي يمكن التعبير عنها بقوله ” اعرف نفسك بنفسك”.

لذا من المهم وعي الذات بذاتها وتطوير مهارة إدارتها فكريا ومشاعريا…
✅ إعمال العقل وممارسة التفكير البَنَّاء وتنمية مهاراته بالشكل الذي يخدم إنسانيتك ويفيدك واقعيا… ومن بين الأمور التي تساعد في ذلك: الشك المتزن والهادف…. ، فحص المفاهيم و المعتقدات القبلية حول الذات واتجاه الحياة، هدم وتشييد مفاهيم جديدة مبنية بطريقة سوية، اللجوء للتأمل كرياضة ذهنية لترويض الأفكار/ الترويض العقلي….
لكن، وأنت تفكر وتبني قناعاتك وتؤسس لمعتقداتك لا تنسى أن تساءلها بين الحين والآخر كي لاتقع في وهم التفكير…
✅ المرونة في مسايرة اضطرابات الحياة وقبول قدرك الخاص؛ هذا لايعني العجز والفشل والاستسلام وعدم الفاعلية والإنجاز… بل القصد أن القدر مرن ومتغير ومتفاعل مع قناعاتك ومشاعرك… قابل للتحسين، التغيير والإبداع .. ” القدر غير ثابت الأركان” كما يرى الفيلسوف الفرنسي “آلان”.

وفي نفس الوقت، ينبغي الوعي بأن فيه عناصر ليس بمقدورك تغييرها، تحتاج منك فقط التسليم وإيقاف مقاومة أحداثها وتقبلها كما هي مع انفتاحك على الحياة وعنصر المفاجأة فيها.
✨ فالحياة “…. ليست موجودة لكي أمتلكها بل لكى أعبرها” كما يقول شوبنهاور / كتاب ” فن أن نكون سعداء”.
✨ أن تكون أنت كما أنت بعيدا عن مقارنة قدرك الخاص بأقدار الآخرين، فالتصالح معه في العمق تصالح مع الذات.
✨حُسن التعامل مع الماضي؛ فليس الماضي في حد ذاته ما يسبب لنا الشقاء، لأنه مضى ووقائعه انتهت بقي فقط أثره فينا، وطريقة تفكيرنا فيه وتأويلنا له هي ما يسبب ألمنا ويبعدنا عن التركيز على الحاضر وعيش اللحظة الحالية التي بين أيدينا. ( الماضي أصبح مجرد فكرة والأمر هنا ينطبق أيضا على فكرة المستقبل)
✨ مراعاة أنظمة الحياة بدءا بالنظام الغذائي الصحي، النظام المعرفي والتواصلي والاجتماعي والروحي….
✨رؤية المتعة والجمال في أبسط شيء في الحياة لأكبره، وصنع البهجة بأبسط الوسائل…
✨ التحكم في المشاعر وحسن إدارتها.

✨ الصدق مع الذات وتبني قيم طيبة اتجاه الذات، والبشر والطبيعة…

✨ تنمية المشاعر المُبهجة وترسيخ قِوى الحب والسمو…
✨ حسن تدبير مشاعر الملل الناتجة عن أسلوب حياة يطغى عليه التكرار والروتين.

فشعور الملل هنا، رسول يحمل معه رسالة دفينة مفادها؛ آن أوان إدخال عنصر المفاجأة والتجديد على نمط حياتك، واكتشاف إمكانات جديدة مع إحداث تغيير في مسار الحياة بدل الاستسلام للتكرار والروتين….
✨ مادام الجسد كله يساهم في عملية التفكير… فالأمر يحتاج الإنصات له ولحدسك الداخلي خصوصا في حالة المرض؛ فالمرض جزء من الحياة و ” قد يكون فرصة لحياة أكثر كثافة وإبداعا” كما يقول نيتشه.

وبالتالي نحتاج تغيير نظرتنا وتأويلنا له،تقبله بهدوء وطمأنينة… بالإضافة إلى تجنب استنزاف الطاقة في الانفعالات السلبية (التشكي،الغضب..) ، مع تعزيز الثقة في الجسد وقدراته الطبيعية العظيمة على التشافي الذاتي والحرص على مساعدته بنظام غذائي صحي…
✨ الإبتعاد عن جلد الذات و كثرة التذمر…

✨التفكير في حسن استثمار الظروف التي تبدو في ظاهرها قاسية، لأنها قد تكون مناسبة لكي تسمو عبرها و تصقل من خلالها قدراتك وتحقق ذاتك… فالإنسان يستطيع التحكم في جودة حياته، كثافتها واتساعها.
✨ تغيير النظرة لمرحلة الشيخوخة والأفكار السلبية حولها والتعامل معها كفرصة لمتعة أكثر هدوءا وسعادة وعمقا، وحياة أكثر جودة مع تحرير طاقة العقل والجسد من الجشع والطمع….
✅ التصالح مع فكرة الموت والتحرر من الخوف العصابي منه؛ فما يجعله سيئا هو فكرتنا حوله… وهو سبب سائر المخاوف الأخرى في الحياة: المجهول، الفراق، الطلاق، التقاعد…بالرغم من أن هذه الممارسات جميعها جزء من الحياة ومسارها.

✨ رفض الموت هو في العمق رفض للحياة ولمنطقها.
✅ التحرر من الخوف، لأنه يعطل العقل ويشل الإرادة ويعزز من مشاعر الخنوع والخضوع…

✨ إن الخوف منبع العبودية كما أشار لذلك “هيغل” :” طالما أن العبيد في أصلهم محاربون فضلوا الاستسلام على الموت، فصاروا أسرى، ثم عبيدا ينجبون عبيدا…”

اظهر المزيد

مريم الشيخي

أستاذة الفلسفة ،باحثة في علم النفس و مهتمة بكل ما له صلة بالإنسان في مختلف أبعاده وجوانبه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!